الاجتمــاعيــات

مرحبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا بكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم فـــــــــــــــــــــــــــــي منتـــــــــــــــــــــــديــــــــــــــــــــــــــات أســــــــــــــــــــاتـــــــــــــــذة

مــــــــــــــــــــــــــــادة الاجتمــــــــــــــــــــــــاعيــــــــــــــــات بالمغـــــــــــــــــــــــــــــــرب

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الاجتمــاعيــات

مرحبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا بكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم فـــــــــــــــــــــــــــــي منتـــــــــــــــــــــــديــــــــــــــــــــــــــات أســــــــــــــــــــاتـــــــــــــــذة

مــــــــــــــــــــــــــــادة الاجتمــــــــــــــــــــــــاعيــــــــــــــــات بالمغـــــــــــــــــــــــــــــــرب

الاجتمــاعيــات

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الاجتمــاعيــات

منتـــــــديـــــــــات أســـــــــــــــــــــاتــــــــــــــــــذة مـــــــــــــــــــــــادة الاجتمــــــــــــــــــاعيـــــــــــــــــات

ترحــــــــــــــــــب بكـــــــــــــم وتتمنـــــــــى لكــــــــــم قضـــــــاء أوقــــــات ممتعـــــــة

منتـــــــــديـات أســــــــاتــــــذة الاجتمـــــــــاعيـــــــــات بالمغـــــــــرب

    جان بردي الغزالي المملوكي والدولة العثمانية

    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 285
    تاريخ التسجيل : 29/04/2010
    العمر : 45
    الموقع : https://alijtimaaiyate.yoo7.com

    اسلامي جان بردي الغزالي المملوكي والدولة العثمانية

    مُساهمة من طرف Admin الأحد 14 أغسطس 2011, 11:54

    جان بردي الغزالي المملوكي والدولة العثمانية
    رؤية تاريخية جديدة



    د. أسامة محمد أبو نحل

    الأستاذ المساعد في التاريخ الحديث

    ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية

    جامعة الأزهر – غزة



    1423هـ/2002م





    ملخص

    تتناول هذه الدراسة شخصية مملوكية مهمة نسجت حولها العديد من الروايات التاريخية التي تلصق بها تهمة الخيانة والتواطؤ لحساب الدولة العثمانية وقد أسميت هذه الدراسة: "جان بردي الغزالي المملوكي والدولة العثمانية: رؤية تاريخية جديدة".

    وأهمية هذه الدراسة تنبع من قصور بعض الباحثين في إظهار الحقيقة، وتسليمهم المطلق بما أورده المؤرخون القدامى دون تتبع لأهواءهم الشخصية، وإلقاء تلك التهمة الصعبة على شخص الأمير جان بردي الغزالي يدخل ضمن نطاق هذا القصور، فالباحثون نقلوا عن هؤلاء المؤرخين دون التحقق من أصل الروايات التي يتناقلونها، حتى غدت حقيقة واقعة مسلم بها ودون إدراك أن أصلها واحد.

    وقد حاولت بهذا العمل أن أكون موضوعياً لكشف اللثام عن شخصية جان بردي الغزالي، متقصّياً الدوافع التي دعت المؤرخين لإلصاق تهمة الخيانة والتواطؤ به، لذلك فهذه الدراسة تعتبر رؤية تاريخية جديدة لقضية اعتاد الباحثون على جعلها أمراً مسلماً به غير قابلة للتغيير والدراسة.
    المقدمة

    دأبت المصادر والمراجع التاريخية على إلصاق تهمة "الخيانة" بالأمير المملوكي جان بردي الغزالي وغيره من أفراد المماليك، وأول من رمى الغزالي بتلك التهمة محمد ابن إياس وأحمد بن زنبل في محاولة منهما لإلقاء تبعة هزيمة المماليك في موقعة مرج دابق عام 922هـ/1516م، إلى عنصر الخيانة الذي كان موجوداً بالفعل داخل البيت المملوكي، وصبّا جام غضبهما على الغزالي وخاير بك على أساس أنهما كانا أكثر المتواطئين لحساب العثمانيين، علماً بأن العوامل والأسباب التي أدت إلى هذه الهزيمة عديدة ولا تقتصر على الخيانة.

    وما فتأ بقيمة المؤرخين اللاحقين لابن إياس وابن زنبل حتى أخذوا في نقل تلك الروايات بعضهم عن بعض أو من الغير دون التحقق من صحة أصل الروايات التي يتناقلونها، حتى غدت حقيقة واقعة مسلماً بها دون إدراك أن أصلها واحد.

    وأهمية هذه الدراسة تنبع من قصور بعض الباحثين في إظهار الحقيقة، وتسليمهم بما أورده المؤرخون القدامى دون تتبع لأهواءهم الشخصية، وإلقاء تهمة الخيانة والتواطؤ على شخص الأمير جان بردي الغزالي يدخل ضمن نطاق هذا القصور الذي ذهبنا إليه، فالباحثون تجاهلوا في كتابات ابن إياس وابن زنبل تعاطفهما مع السلطات المملوكية التي حكمت في مصر والشام.

    وهذه الدراسة مجرد محاولة متواضعة لكشف اللثام عن شخصية الغزالي لإعطائه ما له وما عليه، كما أنها رؤية جديدة لأحداث تلك الفترة المهمة في تاريخ العالم الإسلامي الحديث.

    وفيما يخص منهج البحث في هذه الدراسة، فقد جمع أساساً بين المنهجين الوصفي والتحليلي، مع عدم إهمال سرد الأحداث الذي يساعد عملية التحليل التاريخي.

    أما مراجع البحث، فهي عديدة وكان جلّ الاعتماد على مؤلف ابن إياس المسمى بدائع الزهور في وقائع الدهور ومخطوط ابن زنبل المسمى تاريخ مصر، إضافة إلى عدد من المراجع الثانوية أهمها كتاب الفتح العثماني للشام ومصر لأحمد فؤاد متولي، حيث أفادت تلك المراجع البحث في كثير من جزئيا ته.

    الأوضاع السياسية في عصر جان بردي الغزالي (توطئة لتحليل حالة):

    قبل أن نُحمّل جان بردي الغزالي أو نحمِل عليه فيما يتعلق بهزيمة المماليك في موقعة مرج دابق، ينبغي أن نتعرّف على الظروف السياسية والعسكرية المحيطة والتي شكّلت عناصر النصر والهزيمة، عناصر النصر العثماني وعناصر الهزيمة المملوكية، لأن ذلك يساهم إلى حدٍ كبير في كشف الحقيقة التاريخية ويُلقي الضوء على ما يرمي إليه هذا البحث من تجلية موقف الغزالي، وبيان حقيقة دوره التاريخي.

    وكانت السلطنة المملوكية قد أصابها في أواخر أيامها ما أصاب غيرها من الدول السابقة لها، فتخلى الأمراء والمماليك عن روح الشجاعة والوفاء والطاعة التي تحلى بها أسلافهم، وغدت روح التمرد والعصيان تغلب عليهم، كما أخذ الكثير من كبار الأمراء بالتطلع للفوز بمنصب السلطنة، فاتصل بعضهم بخصوم السلطان وأعدائه أحياناً، مما سبب لدولتهم تصدعاً شديداً(1).

    وثمة عوامل عدة أدت إلى تصدّع الدولة المملوكية وتقويضها، ليس بالإمكان إيرادها هنا، لكن سنكتفي بإبراز أهمها، ومنها فرار فلاحي قرى مصرية بكاملها من الأرياف إلى المدن الرئيسة مخلّفين وراءهم المحاصيل التي لم يجمعوها، وإقفال الخياطين في القاهرة ورشهم، ونفس الشيء قام به صانعو الأسلحة، كما تعالت في الشوارع التهديدات والشتائم الموجهة ضد شخص السلطان المملوكي(2)، بينما كان الوضع في الشام أشد سوءاً لبعد الإدارة المركزية عنها، حيث كره الأهلون المماليك وعمد الفلاحون للقيام بأعمال معادية للسلطنة المملوكية بصورة مباشرة، وخرجت قرى عدة ومناطق بأسرها عن الطاعة، ما دعا أمراء المماليك فيها إلى الكتابة للسلطان قانصوه الغوري وإبلاغه بخطورة الموقف في الشام قائلين: "أيها السلطان، أرض حلب أفلتت من أيدينا وانتقلت إلى أيدي ابن عثمان (السلطان سليم الأول) فاسمه يذكر هناك في خطبة الجمعة وينُقش على النقود"(3).

    لم تنتشر المشاعر المعادية للحكومة المملوكية بين أوساط السكان فحسب، بل انتقلت إلى صفوف الجيش، فانخفضت درجة الانضباط به بصورة لم يسبق لها مثيل، وارتفعت أصوات الجند تطالب السلطان بالمال والمكافآت، وبدأوا بالتمرد وعاثوا في الشوارع العامة فساداً، وصرخوا في وجه السلطان قبل معركة مرج دابق بأشهر قليلة:"ليش ما تمشي (لماذا لا تسير) على طريقة الملوك السالفة تقلّ(تقلل) من هذا الظلم؟"(4).

    وازداد التفسخ واستشرت المشاكل الداخلية وتفاقمت في أوساط المماليك، ويؤكد البعض ذلك التفسخ بأن البطل عند المماليك أصبح من يستطيع تدبير مؤامرة ناجحة لا الذي يكسب معركة حامية، ومما عمق هذا النهج في نفوسهم، عدم اشتباكهم في حرب خارجية لعدة سنوات طويلة، باستثناء تلك الحرب القصيرة التي وقعت بين المماليك والعثمانيين في أواخر القرن الخامس عشر(5) . وبذلك تحولت هذه الكتل المملوكية المترابطة إلى التنافس المميت فيما بينها، ولجأ السلطان لدعم سلطته إلى الاعتماد أكثر فأكثر على مشترواته أو ما يطلق عليها الجلبان(6)، وإلى ضرب الكتل الأخرى ببعضها لإضعافها، وزاد في العداء بين طوائف المماليك تكتّل كل طائفة على نفسها بفعل رابطة الخشداشية، أو ما يُعرف بولاء المملوك لزميله المباشر، الذي شُري ودرس وأعُتق معه(7)

    والأهم من كل ذلك، أن السلطنة المملوكية باتت تواجه دولاً متطورة من طراز جديد تقوم إما على أساس الفكر المذهبي مثل الدولة الصفوية الشيعية في بلاد فارس، أو على أساس الجهاد الديني مثل الدولة العثمانية في الأناضول والبلقان، أو على أساس اقتصادي مثل البرتغاليين(Cool. ذلك في الوقت الذي أخذت فيه السلطنة المملوكية بالانحطاط -كما أسلفنا الذكر. كما أن العثمانيين نجحوا في تقويض طاقة تلك السلطنة العسكرية، بعد ما وضعوا العراقيل على طريق شراء المماليك الفتيان من أسواق البحر الأسود لنقلهم إلى مصر(9).

    في الوقت الذي كان فيه المماليك يطوون آخر صفحات دولتهم، كانت الفتوحات العثمانية تتوسع في أوروبا من إقليم إلى آخر، من البلقان إلى أوروبا الوسطى إلى شمال نهر الدانوب، غير أن أبصار العثمانيين اتجهت فيما بعد نحو البلاد الإسلامية المتاخمة لحدودهم في آسيا الصغرى، وراحوا يمنّون أنفسهم بالسيادة على العالم الإسلامي، بعدما انتشرت بينهم أواخر القرن الخامس عشر حماسة دينية، توجهت أولاً لقتال الصفويين الشيعة في فارس، واشتد العداء في ذلك الوقت بين الشاه إسماعيل الصفوي(10) و الدولة العثمانية، بعد وفاة السلطان العثماني محمد الثاني، حيث انتهز الشاه النزاع الذي نشب حول السلطة بين أبناء البيت العثماني، وحرّض الشيعة بآسيا الصغرى على الثورة والتمرد على العثمانيين السنيين، كما أغرى أمراء الأطراف المجاورين لدولته بالخروج على السلطنة العثمانية(11).

    وعندما اعتلى السلطان سليم الأول عرش الدولة العثمانية عام 1512م، تدهورت علاقته بالشاه إسماعيل الذي احتضن أبناء البيت العثماني المناوئين لسليم، فبدأ الأخير عهده بإخماد ثورة الشيعة في آسيا الصغرى واضطهادهم فهجم الشاه على آسيا الصغرى دفاعاً عن الشيعة، وأصبح العداء سافراً بين الطرفين، مما أدى إلى مهاجمة سليم لممتلكات الشاه سنة 920هـ/1514 م، والاستيلاء على ديار بكر وكُردستان، والتوغل شرقاً في فارس، وملاقاة الجيش الصفوي أخيراً عند تشالديران بالقرب من تبريز، ودارت رحى معركة انتهت بهزيمة الشاه إسماعيل في 23 آب (أغسطس)1514م، ودخول سليم تبريز وإقامة صلاة الجمعة والخطبة له فيها(12).

    ويبدو أن السلطان سليم كان قبل حربه مع الصفويين قد طلب المساعدة في قتالهم من السلطان قانصوه الغوري، ومع أنه كان بإمكان السلطنة المملوكية تقديم يد العون للعثمانيين، وكان بإمكان السلطان الغوري بصفته زعيماً للمسلمين السنّة، شنّ حملة ضد الحكام الصفويين، غير أنه فضّل اتخاذ موقف المراقب من بعيد للأمور، وترك العثمانيين السنيّين وحيدين في مواجهة الصفويين(13).

    يتضح مما سبق الإشارة إليه، أن المماليك أرادوا بموقفهم الحيادي هذا استفزاز العثمانيين لإثارة الصدام بينهم وبين الصفويين، لكي يتحطم أحد العدوين بيد الآخر، ويسهل لهم فيما بعد التدخل والقيام بدور المنقذين للسُنّة، وربما وراثة ممتلكات الدولة العثمانية نفسها.

    مهما يكن من أمر، فقد أدى التوسع العثماني في أجزاء من بلاد فارس إلى امتداد أملاك الدولة العثمانية إلى منطقة الأطراف التابعة للسلطنة المملوكية وهي المنطقة الممتدة من جبال طوروس في الشمال الغربي من الشام إلى مدينة ملطّية بآسيا الصغرى والخاضعة لحكم الأمير علاء الدولة دلغاضر المشمول بحماية المماليك والذي وقف من الجيش العثماني المتوجه لحرب الصفويين موقف الحياد المسلح، فاتهمه سليم بالعداء واستولى على بلاده سنة 1515م(14). وبذلك أضحى العثمانيون على مقربة من الأراضي المملوكية في الشام.

    أحسّ السلطان الغوري بالخطر المحدق بدولته بعد الاعتداءات العثمانية واستخفاف العثمانيين بحماية المماليك على إمارة دلغاضر (ألبستان) وضمها إلى أملاكهم دون مجاملة، كما بدأ سليم يسيء الظن بالمماليك بعدما رفضوا مساندته في حربه ضد الصفويين(15).

    وفي أوائل عام 1516م /922هـ، وصلت الأخبار إلى القاهرة باستعدادات العثمانيين في أستا نبول للحرب، وأدرك الغوري أن دولته هي المقصودة بهذه الاستعدادات، فأعدّ جيشه وخرج به إلى حلب بالشام في 15 بيع الآخر 922هـ / تموز (يوليه) 1516م، وأردف هذا العمل بإرسال رسولٍ إلى سليم يؤكد رغبته بالصلح وعدم الحرب، لكن سليماً رفض الحديث في أمر الصلح وقال للرسول: "قل لأُستاذك يلاقيني على مرج دابق"(16) داخل الأراضي الشامية الخاضعة لسلطنة المماليك.

    ويبدو أن سليماً قد عقد العزم على تسوية حساب قديم مع المماليك الذين هزموا من قبل جيوش العثمانيين داخل الأراضي العثمانية أواخر القرن الخامس عشر- كما أسلفنا القول.

    جان بردي الغزالي ومصلحته الشخصية:

    شاءت الظروف أن ترتبط الصفحة الأخيرة في تاريخ السلطنة المملوكية بعددٍ من الأمراء مثل خاير بك(17) وجان بردي الغزالي اللذين اتهمتهما المصادر والمراجع بالخيانة والتواطؤ لحساب العثمانيين عند دخولهم بلاد الشام ومصر بين عامي 16-1517م / 22 – 923هـ.

    وتشمل هذه الدراسة تتبعاً لحياة جان بردي الغزالي في محاولة جادة لإلقاء الضوء عليها من خلال المصادر والمراجع التاريخية التي تناولت شخصيته سواء من قريب أو من بعيد، لكشف اللثام عن حقيقة هذا الاتهام الخطير وجذوره.

    لم يُعرف للأمير جان بردي الغزالي تاريخٌ لميلاده، وهو أصلاً من مماليك السلطان الأشرف قايتباي، وكان قد اشتراه ثم اعتقه، وأخذ في الارتقاء في المناصب في سلّم السلطنة المملوكية، وعُيّن فيما بعد كاشفاً(18) لمنطقة في الشرقية تسمى "منية غزال"، فنُسب إليها(19)، ثم جعله الأشرف قايتباي جمداراً(20) وقرره في كشف الشرقية(21).

    وفي أواخر أيام حكم قايتباي رُقيَّ الغزالي إلى أمير عشرة(22). وفي بداية حكم السلطان قانصوه الغوري عُينّ محتسباً للقاهرة عوضاً عن الأمير قرقماس المقري، ثم حاجباً(23) لحلب في الشام، فنائباً لصفد عام 917هـ ، ثم حماة بعد ذلك بعام، واستمر بهذا المنصب حتى هزيمة المماليك في موقعة مرج دابق عام 922هـ/1516م(24).

    وصف ابن إياس، الأمير جان بردي الغزالي بالرعونة "وكان الغزالي عنده رهج وخفة زائدة، أهوج الطبع ليس له رأي سديد، رهّاج في الأمور، ليس له تأمل في العواقب"(25). هذا الوصف يبدو أنه يناقض تماماً ما ذهب إليه ابن إياس نفسه عندما تكلم عن فترة حكم الغزالي للشام بعدما ولاه السلطان العثماني سليم الأول عليها، إذ قال: "وكان لما ولي نيابة الشام في غاية العظمة من الحرمة الوافرة والكلمة النافذة، وقد أصلح (أي الغزالي) الجهات الشامية في أيامه حتى مشى فيها الذئب والغنم سواء"(26) وهذا إن دلّ إنما يدل على العدل الذي اتصف به الغزالي أثناء فترة حكمه للشام قبل تمرده على الحكم العثماني فيما بعد.

    وقبيل موقعة مرج دابق التي أنهى فيها العثمانيون نفوذ دولة المماليك تماماً من الشام، اختلفت آراء الأمراء المماليك حول كيفية مواجهة العثمانيين فرأى الغزالي نائب حماة ضرورة التقهقر إلى دمشق وحرق المحاصيل الزراعية التي في الطريق حتى لا تستفيد منها القوات العثمانية، فيطول عليهم الطريق ولا يجدوا طعاماً لهم أو لدوابهم، وبالتالي يتمكن الصفويون المتربصون بالعثمانيين من مهاجمتهم والإطباق عليهم، وإفنائهم عن آخرهم، لكن بعض الأمراء لم يقتنعوا على ما يبدو بهذا الرأي لشكّهم في ولاء الغزالي، فتم رفضه(27).

    والواقع، أن أيُ من المصادر والمراجع التاريخية لم تعطِ دليلاً ملموساً للشك في ولاء الغزالي وخيانته لسلطانه الغوري، فكل ما ذُكر حول التشكيك في ولاء الغزالي أو خيانته، كان في مجمله كلاماً مبهماً يعوزه التوضيح، الأمر الذي سوف نتطرق إليه خلال هذه الدراسة.

    ومهما يكن من أمر، فقد دارت موقعة مرج دابق عام 922هـ/1516م، وهّزم المماليك وقتل السلطان الغوري(28). وزال الحكم المملوكي نهائياً عن الشام، وشرع المؤرخون يرصدون العوامل والأسباب التي أدت إلى تلك النتيجة، فعزا كل من ابن إياس وابن زنبل الرمال المعاصرين لتلك الفترة، الهزيمة إلى عنصر الخيانة الذي كان متواجداً داخل البيت المملوكي، وصبّا جام غضبهما على جان بردي الغزالي وخاير بك على أساس أنهما كانا أكثر المتواطئين لحساب السلطان العثماني سليم الأول، وما فتأ بقية المؤرخين اللاحقين لابن إياس وابن زنبل أن أخذوا في نقل تلك الروايات بعضهم عن بعض أو من الغير دون إعمال جهدهم في التثبت من صحة أصل الرواية، حتى غدت تلك الروايات التي اقتبسوها حقيقة واقعة دون إدراك أن أصلها واحد.

    لم يشر كل من ابن إياس وابن زنبل للدور الذي لعبه الأمراء اللبنانيون، خاصة الأمير فخر الدين المعني الأول في موقعة مرج دابق، فقد وقف هؤلاء الأمراء أثناء المعركة موقف المتفرج انتظاراً لما ستسفر عنه من نتائج لينضمّوا للفريق المنتصر. ويؤكد هذا الموقف حيدر الشهابي بقوله: "فقال الأمير فخر الدين لمن معه من رجاله وقومه دعونا لننظر لمن تكون النصرة فنقاتل معه"(29). أو بمعنى آخر كان هناك عوامل أخرى لهزيمة المماليك في مرج دابق غير عنصر الخيانة الذي كان موجوداً في الصف المملوكي.

    وفي هذه الدراسة لن نتوقف فيها بإسهاب لما قيل حول خيانة الأمير خاير بك، إلاّ إذا اقتضت الدراسة التوقف عنده من خلال علاقته بالأمير جان بردي الغزالي.

    إن أول اتهام تم توجيهه للغزالي بالخيانة والتواطؤ ما ذكره ابن زنبل، عندما اكتشف الأمير سيباي نائب دمشق تخابر الأمير خاير بك نائب حلب مع السلطان سليم قبل وقعة مرج دابق، فألقى القبض عليه وسلمه للسلطان الغوري الذي صمم على قتله(30). ولكن الغزالي تدخل لمصلحة زميله خاير بك ودافع عنه، وأظهر أن قتله في هذا الوقت وفي ظل الموقف العصيب الذي يمر به المماليك سوف يشعل فتنة بين الجند "فقام الأمير جان بردي الغزالي وقال: يا مولانا السلطان لا تفتنوا العسكر وتبدوا (وتبدأوا) في قتال بعضكم بعضاً وتذهب أخباركم إلى عدوكم، فيزداد طمعاً فيكم وتضعف شوكتكم، والرأي لكم، وتأخر من مكانه، وكانت هذه مكيدة من الغزالي، وإلاَّ كان خاير بكل قد هلك"(31)، وهذا يعني أن الغوري قد تراجع عن قراره وأبقى على خاير بك.

    وبصرف النظر عن حقيقة خيانة خاير بك وتخابره مع العثمانيين، إلاّ أننا لا نستطيع إثبات صحة تدخل الغزالي لصالح زميله خاير بك، فربما كان تدخل الغزالي في هذا الموقف كان للمصلحة العامة، خشية أن ينتشر التمرد داخل الجيش المملوكي، خاصة بين أعوان خاير بك نفسه لو تم قتله بالفعل. وبما أن السلطان الغوري في موقف لا يحسد عليه ومقبل على الحرب، فلو صحت رواية خيانة خاير بك هذه، لكان بإمكان السلطان عزل خاير بك من منصبه، وإلقاء القبض عليه لحين الانتهاء من أمر القتال مع العثمانيين.

    ومن خلال ما سطره ابن زنبل في مجمل ما كتبه عن تاريخ دولة المماليك وانحيازه الواضح لسلاطين المماليك، نستنتج أنه ذكر تلك الرواية وكأن عنصر الخيانة هو المسبب الوحيد لهزيمة المماليك وليس أي شيء أخر، ودون أن يؤكد بالقرائن صحة تواطؤ الغزالي لمصلحة زميله خاير بك.

    وتشير بعض المصادر إلى دور الغزالي وغيره في خيانة الجيش المملوكي أثناء القتال في موقعة مرج دابق، فيشير ابن زنبل إلى أن النصر كان لصالح المماليك حتى تقهقر خاير بك الذي كان يقود الميسرة والغزالي مع الفلول المنهزمة من الجيش، ودخلوا وطاق(32) السلطان الغوري، فنادى خاير بك بأعلى صوته بضرورة الفرار لأن السلطان قد قُتل، وأن العثمانيين قد هجموا، فصدقوه، وفرّ إلى حلب برفقة أغلب المماليك الجلبان وما كان ذلك إلاَّ مكيدة منه لتشتيت شمل الجيش المملوكي(33).

    ويؤكد أنور زقلمة أن الغزالي سار على درب خاير بك وانسحب من المعركة بجزء آخر من الجيش، فاختلّ نظام المماليك بعدما استخدم العثمانيون المدفعية التي لم يكونوا قد بدأوا باستعمالها قبل ذلك، فحصدت الكثير من القوات المملوكية(34).

    إن المتمعن في رواية ابن زنبل السالفة الذكر لا يجد بها دليلاً على خيانة الغزالي وفراره من المعركة، بل كل ما ذكره يخص خاير بك بمفرده، أما رواية أنور زقلمة فهي ضعيفة لأنه لم يحدد الوقت الصحيح الذي انسحب فيه الغزالي من ساحة القتال، وأغلب الظن أن هذا الانسحاب أو التقهقر قد تم بالفعل، لكن بعد مقتل السلطان الغوري واختلال نظام الجيش المملوكي بالكامل، والتيقّن من حتمية الهزيمة، فخشي على نفسه وعلى جنده، فقرّر الفرار.

    وبالإمكان التدليل على صحة ما ذهبنا إليه، بأن الغزالي لم يكن الوحيد الذي فرّ بعد التحقق من الهزيمة، إنما تبعه محمد ابن السلطان الغوري نفسه، الذي توجه إلى دمشق برفقة الغزالي(35). إذ لا يُعقل أن يهرب ابن السلطان من ساحة القتال تاركاً أبيه لمصيره دون الدفاع عنه، إلاّ إذا كان بالفعل قد تحقق من مقتل والده.

    وإذا كان الأمير خاير بك قد انضم للعثمانيين بعد المعركة وتوجه إلى حماة وسار بركبهم(36)، فإن الأمير جان بردى الغزالي لم يقم بالشيء ذاته، وهذا ما يدل على أنه لم يكن بعد قد انضم للعثمانيين، فقد أكدت المصادر التاريخية أن الغزالي تم تعيينه نائباً على دمشق بموافقة المماليك المنهزمين(37). في حين أن البعض ذكر أن الغزالي أراد التسلطن في دمشق، لكن رفاقه من المماليك المهزومين اعترضوا على ذلك وقالوا بأن الأولى أن تكون السلطنة لمحمد ابن السلطان الغوري، ثم أجمعوا رأيهم على العودة إلى مصر مقر السلطنة وهناك يتم اختيار السلطان من أحد الأمراء الأكفاء المتسمين بالشجاعة، وأوكلوا حكم دمشق لأحد الأعيان من شيوخ العربان هو الأمير ناصر الدين بن الحنش بإيعاز من الغزالي الذي قال للحاكم الجديد: "البلاد بلادك، تسلم حفظها حتى ننظر الأمر كيف يكون"(38).

    بينما يذكر ابن إياس في مدوناته أنه بعد وقعة مرج دابق انقطعت أخبار الشام عن مصر لمدة أربعين يوماً "لم يرد فيها خير صحيح، وكثر القال والقيل في ذلك على أنواع شتى ، ومن جملة ما أُشيع أن جان بردي الغزالي نائب الشام منع الأخبار أن لا تصل (أن تصل) إلى مصر وعوّق العسكر بالشام"(39).

    بالإمكان أن نستنتج من رواية ابن إياس عدة أمور جديرة بالملاحظة منها:

    1- أن الغزالي حسب ابن إياس وابن طولون تم تعيينه نائباً للمماليك في دمشق، بينما يناقضهما ابن زنبل ولم يذكر إطلاقاً أن الغزالي تولى هذا المنصب، بل حاول التسلطن بها، وفشل لاعتراض زملائه على تلك الفكرة – كما أسلفنا الإشارة.

    2- أن ابن إياس يقول "ومن جملة ما أُشيع" أن الغزالي نائب الشام منع الأخبار من الوصول إلى مصر، وعمل على إعاقة عودة المماليك إلى مصر، ويلاحظ هنا قوله "ومن جملة ما أُشيع …" أي أن ابن إياس لم يجزم بتواطؤ الغزالي، وإنما اعتمد فحسب على الشائعات التي ترددت بهذا الصدد، بينما رواية ابن زنبل – الذي كانت رواياته وروايات ابن إياس المصدر الرئيسي لما قيل عن خيانة وتواطؤ الغزالي – تناقض ذلك، بدلالة أنه ذكر أن الأخير قد نزل عند رغبة رفاقه المماليك ونزلوا جميعاً إلى مصر دون إبطاء.

    3- أن ابن إياس في روايته السابقة بخصوص ما أُشيع عن إعاقة الغزالي للمماليك الفارين من العودة إلى مصر يناقض نفسه في رواية أخرى مفادها أن أهل الشام لما تأكدوا من مقتل السلطان الغوري لم يعد هناك ما يردعهم عن مهاجمة بعضهم البعض، وقيام زُعّر(40) الشام بنهب حارة السمرة، واضطراب الوضع الأمني في دمشق(41). فإذا كانت الأوضاع الأمنية في الشام هكذا سيئة للغاية، فالأولى بالغزالي العودة وزملائه إلى مصر لا البقاء في هذه الأجواء المضطربة.

    4- إن ما ذكره ابن إياس عن منع الغزالي لوصول الأخبار التي تحدث في الشام إلى مصر أمر مبالغ به، فالظروف الصعبة التي مرّ بها المماليك الفارون من وجه العثمانيين جعلتهم في شغل شاغل عن مكاتبة حكومتهم في القاهرة، خاصة وأنه لم يصلهم أي مساعدة منها يستطيعون بها إعادة ترتيب أمورهم من جديد لمواجهة الخطر العثماني الداهم.

    وثمة رواية ضعيفة لم تقم أيٌ من المصادر التاريخية بإيرادها، تذكر أنه بعد انتصار السلطان سليم في مرج دابق بمساعدة خاير بك والغزالي وعدهما بتوليتهما مصر والشام. وتضيف تلك الرواية أن سليماً عندما قرر التوجه إلى دمشق، أخلى الأميران المذكوران تلك المدينة له، وخرجا لملاقاته ثم دعوا له فأكرمهم(42).

    والضعف في الرواية السابقة واضح للعيان ولا يحتاج إلى ردٍ عليها، لأن خاير بك ببساطة لم يذهب إلى دمشق كما فعل الغزالي وغيره، بل اتجه إلى حماة – كما أسلفنا القول.

    على أية حال عادت الفلول المملوكية التي نجت من وقعة مرج دابق إلى مصر في رمضان 922هـ/1516م، وهم في أسوأ حال، واتفق رأي جميع الأمراء المماليك على تعيين طومان باي(43) الدوادار(44) سلطاناً عليهم رغم اعتراضه الشديد لهذا التعيين(45)، ويبدو أن اعتراض طومان باي يعود للظروف الصعبة التي مرت بها السلطنة المملوكية في ذاك الوقت، وإحساسه بأنه لن يستطيع القيام بدورٍ ما لصد الخطر العثماني على مصر.

    وبناءً على ما أورده ابن زنبل، فإن الغزالي عندما رفض زملاؤه تعيينه سلطاناً عليهم في دمشق، اشتاط غضباً، وأضمر لبنى جنسه الغدر، وبالتالي مال قلبه إلى رأى زميله خاير بك في تحريض السلطان سليم بالاستيلاء على مصر، بعدما كان السلطان العثماني قد نوى عدم الاستيلاء عليها والعودة إلى استانبول، والهدف من هذا التحريض كما يقول ابن زنبل هو أن يمنح سليم مصر لخاير بك والغزالي معاً(46).

    ويؤكد ابن زنبل ذلك بقوله: "وكذلك السلطان سليم لما اخذ بر الشام وحلب قصد الرجوع إلى بلاده، فأغواه خاير بك وقنبردي (جان بردي) الغزالي وناصر الدين بن الحنش بالتوجه إلى مصر، وضمن له خاير بك أخذ مصر وذلك مكراً منه، فإنه علم إن رجع السلطان سليم إلى بلاده فلم (فلن) تُبقى الجراكسة على خاير بك ولو ذهب في تخوم الأرض…"(47).

    بالإمكان القول أن جان بردى الغزالي قد حنق لرفض زملائه تعيينه سلطاناً عليهم، لكن ابن زنبل أو غيره من المؤرخين لم يعطِ دليلاً ملموساً على ميل الغزالي لرأي خاير بك، ولا كيف اتصل به ليعطيه الموافقة على تحريض السلطان العثماني، فكل ما ذكره ابن زنبل كلام عام يعوزه الإثبات للتثبت من تواطؤ الغزالي – كما أسلفنا الإشارة.

    أما قوله أن كلاً من خاير بك والغزالي وناصر الدين بن الحنش قد أقنعوا السلطان سليم بالتوجه لمصر والاستيلاء عليها، فهو عار عن الصحة لأن ابن الحنش هذا لم تكن تربطه بالسلطان العثماني أية علاقة حميمة، مما سوف يؤدي إلى قتله – كما سيتم التطرق إليه لاحقاً.

    ويبدو أن سليماً لم يكن بالفعل في تلك الأثناء، مهتماً كثيراً بفتح مصر بعدما حطم إمكانية قيام تحالف صفوي مملوكي، وأصبحت بلاد الشام تحت سيطرته المباشرة، ناهيك عن اعتقاده بأن حملته على مصر سوف تعرضه لمخاطر اجتياز صحراء سيناء، وبالتالي إمكانية تعرض قواته لهجمات القبائل البدوية فيها، إضافة إلى طول خطوط مواصلاته. وكان المماليك في مصر قد حشدوا قواتهم تحت زعامة السلطان طومان باي، الذي حصل على البيعة من والد الخليفة العباسي، بعدما احتجز العثمانيون الخليفة نفسه بعد وقعة مرج دابق(48).

    وثمة أسباب أخرى دعت السلطان سليم للتريث في اتخاذ قرار بالزحف إلى مصر، منها: أن توجه العثمانيين إلى مصر من شأنه تشجيع الصفويين على استغلال ذلك والعمل على مهاجمة أملاكهم، وربما قطع الطريق على قواته التي سوف تتجه إلى مصر. كما أن استيلائه على مصر سترتب عليه مسئوليات دفاعية كبيرة، مثل التصادم بالبرتغاليين المتواجدين في البحر الأحمر والمحيط الهندي.

    لكل هذه الأسباب مجتمعة ارتأى سليم المتواجد في دمشق، ضرورة مراسلة طومان باي لإقناعه بالبقاء في حكم مصر شريطة أن يُذكر اسمه في خطبة الجمعة وأن يُصك اسمه على النقود. لكن طومان باي رفض هذا العرض بضغطٍ من الأمراء المماليك، لأنه يعني تبعيتهم التامة للحكم العثماني، فاضطر سليم لإكمال مشروعه التوسعي بعدما ألحّ عليه خاير بك بالقيام به، بعدما خشي الأخير على حياته من بقاء السلطنة المملوكية(49).

    ويبدو أن سليماً قد راسل طومان باي، عندما عيّن الأخير جان بردي الغزالي على رأس الحملة المملوكية المتجهة إلى غزة للدفاع عن حدود مصر الشرقية. وهذا ما يتضح من نص رسالة سليم لطومان باي، حيث جاء على لسان سليم: "ولما سمعنا ما يقال عن شخص جركسي يدعى جان بردي في ولاية غزة القريبة من مصر القاهرة اعتاد إفساد أشخاص كثيرين، صدر الفرمان إلى الوزير الأعظم سنان باشا بالاستعداد للتحرك بعددٍ من العساكر المنصورة. كذلك صدر حكم عالي الشأن بهذا الخصوص من العتبة العليا وأرسل إلى جان بردي المذكور"(50).

    إن ما سبق الإشارة إليه دليل على أن الغزالي لم يكون له بعد أية صلة أو علاقة بالسلطان العثماني بدلالة طلب السلطان سليم من طومان باي بأن يرسل للغزالي بعدم الإفساد ضد العثمانيين في غزة. كما أن اختيار طومان باي لترأس الغزالي لحملة غزة دليل إضافي على أن الأخير كان عند حُسن ظن سلطانه به. فلو كانت هناك شائعات بتواطؤ الغزالي مع العثمانيين من قبل، لما أقبل طومان باي على اختياره لتلك المهمة التي سوف يتوقف عليها مصير السلطنة المملوكية في مصر فيما بعد.

    وللتدليل على عدم صحة تخابر الغزالي بأي شكل من الأشكال مع العثمانيين قبل ذلك التاريخ، أن بعض الوزراء العثمانيين قاموا بإرسال عدة رسائل إلى جان بردي الغزالي وبعض الأمراء الجراكسة لحثهم على تقديم الطاعة والولاء للعثمانيين. وكانت هذه المراسلات تنفيذاً لأوامر السلطان سليم نفسه وبإيعاز من خاير بك الذي أرسل بدوره عدة رسائل إلى بعض أمراء الجراكسة حثهم فيها أن يحذوا حذوه، ورغبّهم في الدخول تحت طاعة السلطان العثماني الذي أطنب في وصف محاسنه وعدله(51).

    لم يردّ الغزالي على جميع هذه الرسائل ولم يكترث بها، ونظراً لأهمية دور الغزالي في النظام الحاكم في مصر، قرر سليم نفسه أن يكتب إليه. وفي تلك الرسالة يذكر سليم أنه سمع من خاير بك ومن محمد أغا بن قرقماس أمير حماة السابق مدحاً كثيراً فيه (أي في الغزالي) لهذا يدعوه لتسليم نفسه ومن معه من الأمراء وتقديم الولاء له. يقول السلطان سليم في كتابه للغزالي: "عندما يصل في هذه المرة حكمي الشريف واجب الطاعة عجلوا بالمجيء نظراً لما سمعناه عنكم من كمال إخلاصكم وتمام اختصاصكم، ومرغوا الوجه عند موطئ سرير مصير العالم عندي. ولتسعوا سعياً جميلاً وتجدّوا جدّاً جزيلاً لكي تتشرفوا بتقبيل أناملي الكريمة. إذا جئتم إن شاء الله الكريم فعند لقاءكم تشملكم رعايتنا ويتم قبولكم بأنواع العناية السلطانية الجميلة وأصناف الرعاية العلية الشاهانية أكثر مما في تصوركم"(52) .

    نستنتج من نص كتاب السلطان العثماني لجان بردي الغزالي عدة أمور حريٌ بنا إيرادها:

    1- أن هذا الكتاب يختلف في أسلوب صياغته عن الكتاب الذي أُرسل من قبل إلى السلطان طومان باي، فهو رقيق التعبير يخاطب فيه الغزالي بضمير المخاطبين على الدوام، على الرغم من أن مرسله هو السلطان العثماني نفسه ومتلقيها هو أمير غزة جان بردي(53) .

    2- أن هذا الكتاب يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن انضمام الغزالي للعثمانيين لم يكن قد حدث بعد، وهو ما ينفي صحة تعامل الغزالي مع العثمانيين في مرج دابق.

    3- رغبة السلطان سليم المُلحة في ضم الغزالي إلى صفوفه، لأهمية موقعه في الساحة المملوكية من جهة، ولشق صفوف الأمراء المماليك وإثارة نوع من البلبلة تؤدي إلى سهولة تحركاته فيما بعد من جهة أخرى.

    4- أن هدف سليم الأساسي هو مجيء الغزالي بنفسه لتقديم الطاعة له، وليس كما ذكر البعض أن الغزالي كان بالفعل قد قّدم ولائه للعثمانيين خلال وقعة مرج دابق.

    ومهما يكن من أمر، فطومان باي والغزالي لم يعيرا كتب سليم لهما أي أهمية، ولم يردا عليها. بل صمم طومان باي على تصعيد الموقف وملاقاة العثمانيين مهما كانت النتائج. فلم يجد سليم مفراً أمامه سوى إكمال مهمته بالاستيلاء على مصر، فأمر الصدر الأعظم سنان باشا في 3 ذي القعدة 922هـ/ 27 تشرين ثاني (نوفمبر) 1516م، بالتحرك على رأس جيش قوامه أربعة آلاف جندي للاستيلاء على غزة(54).

    وفي القاهرة، تم الاتفاق بين الأمراء المماليك على تعيين الغزالي قائداً للحملة المتجهة إلى غزة لمقاتلة العثمانيين ومنحه صلاحيات حكم تلك المنطقة، وكان يرافقه عشرة آلاف عسكري(55). ذلك في الوقت الذي وصلت فيه الأخبار من الشام بسوء أحوال العثمانيين نتيجة لتزايد الاضطرابات ضدهم ومن أهمها ثورة ناصر الدين بن الحنش الذي "ضيق عليه (أي على السلطان سليم) في الطرقات وصارت العربان تقتل كل من انفرد من عسكره في الضياع"(56).

    ويروى ابن إياس أن ناصر الدين بن الحنش أرسل للسلطان طومان باي يستحثه على إرسال حملة عسكرية في أسرع وقت إلى الشام لمنع السلطان سليم من الوصول إلى غزة(57).

    وفي 2 ذي الحجة / 26 كانون أول (ديسمبر) من العام نفسه، تلاقي سنان باشا مع جيش الغزالي داخل الأراضي الفلسطينية بالقرب من غزة، ودارت بينهما معركة حامية بدأت من الصباح وانتهت ساعة العصر بانتصار العثمانيين وهزيمة الغزالي. واستيلائهم على غزة وتعيين محمد بك بن عيسى حاكماً عليها بعد فتحها. وتؤكد المصادر العثمانية المعاصرة للأحداث أن الغزالي هرب بعد هزيمته في غزة(58)، وبذلك باتت الطريق إلى مصر أمام السلطان سليم مشرعة الأبواب لا تمنعه أي مقاومة.

    وإذا كانت المصادر العثمانية قد أكدت هرب الغزالي بعد هزيمته، نجد المصادر العربية المعاصرة لنفس الفترة تذكر أن الغزالي بعد هزيمته تم أسره ثم تمكن من الفرار بمساعدة غلمانه بعد أن قتلوا من العثمانيين أعداداً كبيرة(59) .

    رغم أن المصادر العربية لم تذكر شيئاً عن خيانة الغزالي في غزة، بل أكدت أنه قاتل قتال المستميت، وأبلى بلاءً حسناً في قتاله، إلاّ أننا نستغرب مما تسطره المراجع الحديثة التي تحاول إلصاق تلك الهزيمة في غزة للغزالي متهمة إياه بالتواطؤ عن عمد، مصممة على أنه قد بدأ تواطؤه لا في مرج دابق بل قبلها، وأنه قابل العثمانيين بقوة صغيرة هزمته قبل وصوله لغزة لأنه لم يقاتل قتالاً جدياً(60). وهذا غير مطابق للواقع التاريخي فالمصادر التركية ذكرت أن المعركة دارت في جلجولية بالقرب من غزة، بينما ابن إياس أكد أن المعركة بين الطرفين دارت نواحي بيسان، أي داخل الأراضي الفلسطينية لا في مصر.

    ويزيد البعض أن الغزالي بعد عودته إلى مصر مهزوماً، لعب دوراً مزدوجاً، فهو إلى جانب السلطان طومان باي بالظاهر، وعلى اتصال خفي بالسلطان سليم وخاير بك في الباطن كما أنه زوّد العثمانيين عشية معركة الريدانية عام 1517م، بمعلومات مفصلة عن تنظيم الجيش المملوكي(61).

    والواقع أنه لا يوجد مصدر معاصر لتلك الفترة عربياً كان أم عثمانياً أكد تلك الرواية، أي أن الغزالي كان حتى ذلك الوقت لا تربطه بالعثمانيين أي صلة لا من قريب ولا من بعيد.

    ويذكر مصدر تركي – اعتمد عليه أحمد فؤاد متولي في دراسته- أن السلطان سليم قال في رسالة الفتوح التي بعثها إلى ابنه الأمير سليمان متناولاً معركة غزة: "أبدى جان بردى المذكور بعض مظاهر الإخلاص في هذه النواحي (غزة)، ثم تراجع وهرب إلى مصر، والتقى بطومان باي"(62).

    ويستنتج أحمد فؤاد متولي من سياق كلام السلطان سليم، أن الغزالي ساعد على انتصار العثمانيين في غزة، ثم تراجع بعد أن تحقق النصر لهم وهرب إلى مصر. وربما رجع إلى مصر ليعمل من وراء خطوط المماليك لصالح العثمانيين(63).

    لكن المتمعن في كلام السلطان سليم لا يجد تسليماً بتواطؤ الغزالي لحسابه فقوله أن الغزالي أبدى بعض مظاهر الإخلاص في غزة ربما يفهمها البعض على أن الغزالي قد أخلص في القتال ضد الجيش العثماني بدلالة قول السلطان سليم نفسه في رسالة الفتوح: "ذكر طومان باي أنه أعطى إيالة الشام لجان بردي الغزالي المهزوم. ولما علمنا أنه أرسله إلى غزة، بعثت إليه بوزيري سنان باشا … على رأس الجيوش لكي يلاقيه. دارت المعارك وانتصر الوزير المشار إليه بعناية الله تعالى. وهُزمت الطائفة المذكورة وتشتت"(64). ولم يُشر سليم على الإطلاق لعودة الغزالي إلى مصر ليعمل من وراء خطوط المماليك لحسابه.

    ومهما يكن من أمر، فقد التحم العثمانيون بالجيش المملوكي في معركة فاصلة في صحراء الريدانية على أطراف القاهرة في 22 كانون الثاني (يناير) 1517م، انتهت بهزيمة المماليك ودخول العثمانيين للقاهرة، وخُطب للسلطان سليم في جوامعها، وفرَّ طومان باي إلى خارج القاهرة(65).

    لم يكن دخول العثمانيين القاهرة معناه نهاية الحرب، وأن الأمور سُويت لصالحهم، فقد استمرت المعارك في الشوارع لعدة أيام، مما اضطر السلطان سليم لمنح العفو للمماليك سواء كانوا في القاهرة أم خارجها ومنهم بطبيعة الحال جان بردي الغزالي(66)، الذي أكرمه سليم بحُسن الاستقبال، لما أبداه من البسالة في مقاتلة العثمانيين في الريدانية(67).

    وفي رسالة الفتوح التي أرسلها السلطان سليم لابنه سليمان تأكيد لنفس المعنى، إذ يقول سليم: "… تحققنا في هذه الأثناء من مصطفى باشا أمير الرملي (الرومللي) السابق ومن الجراكسة، أن جان بردي الغزالي جاء في ذلك الوقت، وأدى فروض الطاعة وأظهر العبودية والخضوع بإخلاص"(68).

    ويبدو أن سليماً أراد بمنحه العفو عن مقاتلي المماليك بصفة عامة وجان بردي الغزالي بصفة خاصة، التفرغ فيما بعد للقضاء على آخر مقاومة لطومان باي خارج القاهرة الذي تسلح بالقبائل البدوية، وندلل على ذلك بما أورده ابن زنبل من قوله:"وأما ما كان من السلطان سليم فإنه ضاق صدره وندم على دخوله مصر، وخشي أن يطول عليه المطال ويدخل عليه الشتاء وينقطع عنه خبر بلاده من أمر النصارى (أي القوى المسيحية في أوروبا) ليلا (لكي لا) يدبروا أمراً في غيبته على أخذ القسطنطينية، فاشتغل فكره"(69).

    إذن، دخل جان بردي الغزالي أخيراً في طاعة السلطان العثماني سليم الأول بعد نهاية موقعة الريدانية، بعدما بات مقتنعاً بأن آخر صفحة من صفحات تاريخ دولة المماليك في مصر قد طُويت، وانفرط عقد سلطنتها. ولم يعد أمامه من حيلة سوى تسليم نفسه للسلطة الجديدة الحاكمة في القاهرة، محاولاً أن يُنقذ نفسه من التصفية الجسدية التي كانت في انتظاره لو تأخر أكثر من ذلك. أو بتعبير آخر، فإن الغزالي آثر تبدية مصلحته الشخصية في ذاك الوقت، وتلك سمة تختلج أغوار الكثير من القادة والجند بعد هزيمتهم وإيثارهم السلامة علّهم يحصلون على منصبٍ جديد في الدولة الجديدة.

    إن تصرف الغزالي هذا لا يمكن اعتباره بأي حالٍ من الأحوال تصرفاً انتهازياً. فلو كان الغزالي انتهازياً بالفعل، لانضم قبل ذلك التاريخ للعثمانيين للاستفادة والحصول على منصب في الدولة العثمانية، لكن نظراً لحاجة العثمانيين إليه ولمهارته، قبلوا العفو عنه وأسندوا له بعض المهام العسكرية في مصر لسببين: أولهما لاختبار صدقه في طاعة دولتهم. وثانيهما لمعرفته بأحوال مصر.

    ونظراً لازدياد إحساس السلطان سليم بتورطه في المستنقع المصري، بعدما خرجت الكثير من المناطق المصرية عن طاعة العثمانيين، خاصة القبائل البدوية التي تعاطفت مع طومان باي، قرر إرسال حملة عسكرية إلى منطقة أطفيح وغيرها في دلتا مصر للقضاء على تمردها. وعيّن عليها جان بردي الغزالي لمعرفته بأحوال تلك المنطقة، ولخبرته السابقة في محاربة العربان. وتمكن الغزالي بالفعل من إلحاق هزيمة قاسية بتلك القبائل، وشتت شملهم، وأمر بنهب نجوعهم، وأسر نساءهم وأولادهم، وأرسلهم إلى السلطان سليم الذي أمر ببيعهم بالقاهرة بأبخس الأثمان(70).

    أمر السلطان سليم، الغزالي بشن الهجمات على طومان باي وأعوانه، فأخذ يلاحقه من مكان لآخر، وألحق بقواته الكثير من الخسائر بمساعدة قبيلة بدوية تُسمى عرب غزالة، إلى أن تمكن طومان باي من إلقاء القبض عليه، لكنه سرعان ما عفا عنه بعد أن أخذ عليه عهداً بعدم محاربة مماليكه، "فقام الغزالي وهو ينفض التراب من على رأسه وجا{ء} إلى رجل السلطان (طومان باي) وقبلها في الركاب وهو يبكي ونادم على ما فعل، وسار إلى فرسه وركبه وأشار إلى جماعته ارجعوا عن القتال فقد حلفت له أني لا أقاتله"(71).

    لكن الغزالي حنث بيمينه فيما بعد، وأشار على سليم بخطة حربية يستطيع بموجبها تحقيق النصر بسهولة على طومان باي ومن تبقى معه، وهي خطة تسمى في التعبير العسكري المعاصر فكي كماشة. وقد استطاعوا من خلال تطبيقها إلحاق الكثير من الخسائر بفلول طومان باي في منطقة الوردان التي تبعد 50 كيلو متراً إلى الشمال من القاهرة، وذلك في 2 نيسان 1517م، ما دعا ابن زنبل للقول: "وافترقوا على هذا الحال وقد قلت الجراكسة عن بعضها ورجعوا وهم لا يعرفون بعضهم بعضاً من شدة ما حصل من ذلك اليوم" (72).

    أدت كثرة الضربات التي وجهت لطومان باي إلى اقتناعه بأن نهاية الحرب مع العثمانيين باتت وشيكة، فلم يجد مناصاً سوى اللجوء إلى الشيخ حسن بن مرعي شيخ بدو البحيرة، وأخذ منه عهداً بعدم خيانته وتسليمه للسلطات العثمانية، لكن الشيخ المذكور خشي على نفسه وسلّمه للعثمانيين الذين شنقوه على باب زويلة بالقاهرة في ربيع الأول 923هـ/ 13 نيسان(أبريل) 1517م(73).

    وكانت نية السلطان سليم ترمى إلى عدم قتل طومان باي إعجاباً به، لما أبداه من صنوف الشجاعة، كما كان في نيته كذلك أخذه معه إلى أستا نبول بعد أن يأخذ منه تعهّداً بعدم الخروج عن طاعته، لكن خاير بك والغزالي خشيا على نفسيهما فيما لو تحسنت العلاقات بين سليم وطومان باي، فألحّا على السلطان سليم في قتله(74).

    جان بردي الغزالي وطموحه الانفصالي:

    بعد أن استتبت الأمور في مصر لصالح العثمانيين، عيّن السلطان سليم الأمير خاير بك المملوكي نائباً عنه فيها مكافأة له على وقوفه معه ومساعدته في الاستيلاء عليها، ثم بدأ رحلة العودة إلى أستا نبول في 23 شعبان 923هـ/10 أيلول (سبتمبر) 1517م، وأبقى مع خاير بك خمسة آلاف جندي انكشاري، إضافة إلى العسكر الخيالة لحفظ النظام(75).

    أما الأمير جان بردي الغزالي الذي أثبت للسلطان العثماني ولائه وإخلاصه، فقد رافقه في رحلة العودة، وعندما وصل الركب السلطاني إلى غزة في 9 رمضان / 25 أيلول (سبتمبر) من العام نفسه، منح السلطان سليم حكم ولايات صفد والقدس وغزة والكرك ونابلس للغزالي(76).

    وقبيل وصول سليم إلى دمشق في 6 شوال /22 تشرين أول (أكتوبر)، كانت الثورات في بلاد الشام قد اشتعلت بسبب الإجراءات العثمانية الجديدة كإبطال العملة القديمة وإصدار عملة جديدة وتشديد الإجراءات لضمان الأمن(77). وأعقب العثمانيون تلك الإجراءات بإجراء آخر شقّ على سكان دمشق قبوله وهو تخفيض سعر العملة العثمانية الجديدة بمقدار النصف، مما أدى إلى تضرر السكان. كما اتخذوا إجراءات أمن مشددة لردع الزُعّر الذين نشطوا في دمشق في أعقاب الأنباء المتضاربة عن مصير العثمانيين في مصر(78).

    ويبدو أن تلك الاضطرابات قد أقنعت السلطان سليم عند دخوله دمشق بضرورة تعيين والٍ جديد عليها، يكون بإمكانه إخمادها، ووجد ضالته المنشودة في شخص جان بردي الغزالي. وشرع الاثنان معاً في القضاء على المناوئين للحكم العثماني في الشام، فتوجها في 26 ذي الحجة 923هـ/8 كانون ثاني (يناير) 1518م، إلى الأمير ناصر الدين بن الحنش للقبض عليه، ولكنهما فشلا في مهمتهما وعادا إلى دمشق وأصدر السلطان سليم قراراً بعزل ابن الحنش حاكم البقاع اللبناني وحماة وصيدا وتولية محمد أغا بن قرقماس الجركسي مكانه(79).

    غادر السلطان سليم دمشق في 27 محرم 924هـ/8 شباط (فبراير)1518م، تاركاً فيها الغزالي والياً عليها مع منحه إياها إقطاعاً له حتى وفاته، ولم يفرض عليه دفع أي مال لخزينة الدولة العثمانية، بعد أن آنس فيه الإخلاص والولاء(80). وسمح له بتملك قوات عسكرية خاصة به(81).

    ومهما يكن من أمر، فإن الغزالي في بداية عهده طبق السياسة العثمانية بحذافيرها، وظل على ولائه التام للسلطان سليم، وسرعان ما قضى على تمرد ناصر الدين بن الحنش وحليفه ابن الحرفوش – الذي لم تذكر له المصادر التاريخية اسماً- قرب بعلبك في 26 ربيع الأول 924هـ /7 نيسان (إبريل) 1518م، وقطع رأسيهما ، وأرسل بهما إلى السلطان في حلب الذي عجز من قبل من قتله. وهذا ما دعا ابن إياس للقول: "ولولا تحيّل الغزالي على ابن الحنش وقتله بحيلة صعدت من يده لما قدر على قتل ابن الحنش أبداً، وقد عجزت عن ذلك سلاطين مصر والأمراء" (82).

    وبطش الغزالي أيضاً ببعض الأمراء المحليين في نابلس وغيرها منهم قراجا بن طراباي الحارثي، وأخضعهم للسلطة العثمانية(83). وشن عدة حملات ضد القبائل البدوية في حوران وعجلون، الذين دأبوا دوماً على التعرض لقافلة الحج الشامي عند طريق غزة، وانتصر عليهم وقتل الكثير منهم، وغنم أموالهم، وأعاد ما كانوا قد سلبوه من قافلة الحج(84). وبذلك امتدت ولاية الغزالي من معرّة النعمان إلى العريش بمصر(85).

    ويُحسب للغزالي أيضاً، تمكنه من هزيمة القراصنة الإفرنج الذين نزلوا ساحل بيروت عام 926هـ/1520م، ومكثوا بها ثلاثة أيام، حيث استولى منهم على عدة مغانم وأسر ثلاثمائة من رجالهم إضافة إلى ثلاث سفن كبيرة(86). ويبدو أن هؤلاء الإفرنج هم فرسان القديس يوحنا الأورشليمي، الذين كانوا وقتذاك يستقرون في جزيرة رودس بالبحر المتوسط قبل أن يستولي عليها السلطان سليمان القانوني فيما بعد ويطردهم إلى جزيرة مالطة.

    إن هذه الانتصارات التي حققها الغزالي، أدت إلى إعجاب السلطان سليم به، وسروره منه خاصة فيما يتعلق بحمايته لقافلة الحج الشامي. وأغدق عليه الخلع، فازداد نفوذه في دمشق واكتملت هيبته في كافة أنحاء الولاية الخاضعة لحكمه(87).

    لكن وفاة السلطان سليم في 9 شوال 926هـ/ 22 أيلول (سبتمبر) 1520م، أدت إلى استيقاظ الحلم الدفين داخل أعماق جان بردي الغزالي، المتمثل في إقامة دولة مستقلة في الشام تحت قيادته، بعيدة عن السيادة العثمانية(88). ذلك الحلم الذي راوده يوماً بعد مرج دابق وفشل في تحقيقه – كما أسلفنا الإشارة. وقد فتحت وفاة سليم الباب على مصراعيه لاحتمالات مغرية من جهة وكذلك وخيمة العواقب من جهة أخرى بالنسبة للغزالي(89).

    ويبدو أن الغزالي كان قد بدأ قبل وفاة السلطان سليم في إعادة بعض العادا

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 16 مايو 2024, 18:42